الإسلام - والدين بشكل عام - هو تلك العقيدة التي من المفترض أنها تجمع بين أعداد هائلة من الناس، وتجعلهم مشتركين ومتحدين مع بعضهم البعض؛ ليس فقط روحانيًا من خلال المعتقدات المشتركة والإيمان، بل اجتماعيًا كذلك من خلال القيم والطقوس والعادات التي يضعها الدين كي تنظم لهؤلاء الناس حياتهم في الدنيا ومستقبلهم في الآخرة؛ لكن على الرغم من ذلك كله فإن هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى انقسام الدين لعدة فئات مختلفة تستحق كل منها الدراسة.
كان الإسلام هو الأساس الوحيد الذي كان (النبي محمد ) يبني عليه المجتمع الجديد؛ وقد كانت كافة العوامل الأخرى، كبناء الدولة والسياسة وحتى الاجتماع، ما هي إلا انعكاس لذلك الأساس ولا يتم الاستعانة بها إلا لتقويته وتدعيمه؛ حيث هدف الحروب والغزوات هو نشر الدين، وهدف الدولة هو حماية الدين؛ ولذلك كانت الخلافة - بالنسبة للخلفاء الراشدين - هي الاستعانة بالدين لتنظيم شئون الدنيا من أجل ضمان السعادة للناس في الدنيا والآخرة، ولم يكن يتم النظر إليها أبدًا على أنَّها وظيفة سياسية أو منصب ذو مكانة.
وفقًا لـ (ابن خلدون ) فإن ذلك الوازع الديني ليس كافيًا لقيام الدولة ولا يمكن الاعتماد عليه وحده دون غيره، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث احتاجت الدولة - واحتاج الدين معها - إلى السيف لكي يتمكنا من الاتساع والانتشار في مساحات أكبر. أما (مارسيل غوشيه ) فيذهب بعيدًا معتقدًا أنَّ "الدولة لا تتم ولا تكتمل من دون التخلص من الدين " ، وهو ما حدث بالفعل حين بدأت الخلافات السياسية في الظهور منذ خلافة (عثمان بن عفان ) ، ثم خلافة (علي بن أبي طالب ) ، مرورًا ببناء (معاوية ) للدولة الأموية وتحول الحكم من الخلافة إلى الملك حين قام (معاوية ) بإثبات نظام ولاية العهد كي يتولى ابنه (يزيد ) الحكم من بعده.
وهذا هو أحد مظاهر التخلي عن الدين؛ حيث تم الإخلال بمبدأ الشورى - وهو أهم المبادئ التي أسسها (النبي محمد ) - على حساب المصلحة الخاصة التي هي ترجيح كفة ولاية العهد، هذا بالإضافة إلى الانحراف عن الأخلاق التي كانت في عصر الخلافة الراشدة؛ حيث نجد أن هناك العديد من الملوك الأمويين والعباسيين الذين يتمتعون بالعديد من مظاهر الترف والبذخ والفسوق؛ كالغلمان والنساء وشرب الخمر. وعلى الرغم من ذلك كله فإنه لا يمكن لأي حاكم سواء من الدولة الأموية أو العباسية أو الإسماعيلية أن يستغنى عن إعلانه التمسك بالدين؛ حيث إن هذا هو ما يخلع على حكمه شرعية وقدسية تجعل الجميع يحترمها ولا يجرؤ أحد على الخروج عليها؛ حيث حينها ستصبح عدم طاعة الحاكم وعصيانه هي - في الوقت ذاته - عدم طاعة الله ومعصيته.
في الوقت الذي ظهر فيه مذهب (المعتزلة ) الذي يعتقد في حرية الإرادة وأن الإنسان مسئول عن أفعاله ولهذا يحاسبه الله عليها إما بالثواب وإما بالعقاب؛ وبالإضافة إلى وجود (الخوارج ) ومذهبهم الذي يدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم وعدم جواز طاعته، كان على الملوك والساسة أن يجدوا مذهبًا دينيًا يمنحهم تبريرًا لكافة الأفعال التي يقومون بها، وفي الوقت ذاته يمنحهم شرعية دينية كي يجد الناس حينها صعوبة في الخروج أو الثورة عليهم.
كان مذهب الجبر يعتقد أن الإنسان مجبر على جميع أفعاله، سواء تلك الأفعال الجيدة أو الأخرى السيئة؛ لأن الله هو خالق كل شيء بما فيه تلك الأفعال التي يقوم بها الإنسان؛ لذا فإن الحاكم حين يخطئ لا يجب إلقاء اللوم عليه؛ حيث إنه مجبر عليها وما تنفيذها إلا تنفيذ إرادة الله الذي إذا أراد شيئًا يقول له كن فيكون، وهو ما قامت الدولة الأموية باستغلاله للدفاع عن نفسها حين بدأت في الابتعاد عن الخلافة الراشدة، وبدأت في الاعتماد على قوة السيف بدلًا من الدين.
فعلى سبيل المثال - وبناءً على مذهب الجبر - تم اعتبار قتل (يزيد بن معاوية ) لـ (الحسين ) ما هو إلا قضاء الله وقدره. وقد استمرت فكرة الجبر حتى في فترة حكم (عمر بن عبد العزيز ) على الرغم من اختلافه الشديد عمن قبله من الحكام الأمويين، وشدة قربه من نهج الخلفاء الراشدين، ولم تنتهِ تلك الفكرة إلا مع ظهور قوة مبدأ (المعتزلة ) ودفاعهم بكافة الأدلة المنطقية عن حرية الإرادة الإنسانية.
وكما تم استخدام مذهب الجَبر لتبرير أخطاء الملوك ومجونهم؛ فقد قاموا باستخدام مبدأ (التفويض الإلهي ) - وهو شديد الشبه بمذهب الإمامة لدى (الشيعة ) - كي يستطيعوا الحصول على طاعة العامة بسهولة ودون نقاش؛ حيث إن أي عصيان سيبدو وكأنه عصيان على إرادة الله التي يمثلها الحاكم؛ حيث يتم الترويج إلى أن الإمام أو الحاكم يتوصل إلى قراراته وأحكامه بمساعدة ووحي من الله؛ لذا يجب على الناس طاعتها وعدم الاعتراض عليها.
وتعتبر الطاعة أهم الموضوعات التي امتلأت بها خطب بني أمية؛ ففي إحدى كتابات (الوليد بن يزيد ) يؤكد على أنَّ "لا قوام لشيء ولا صلاح له إلا بالطاعة " ، كما خطب (زياد بن أبيه ) في أهل البصرة قائلا: "أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوّلنا، لنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولّينا ".
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان